لماذ تستغرق اليونان هذا الوقت العصيب للتعافي؟ هناك عدة عوامل تفسر هذا الإخفاق، لكن أعتقد أن السبب الرئيسي هو الافتقار إلى المعلومات المالية الحكومية الدقيقة، الأمر الذي يقلل من مدى المسؤولية عند اتخاذ القرارات، ويحد من الحوافز، ويؤدي إلى سوء عملية اتخاذ القرار وهدم القيمة التنظيمية.
فأنا أُعلم المديرين والتنفيذيين من جميع أنحاء العالم استخدام إطار عمل والذي أطلق عليه MACC والذي يوضح الأهمية الجوهرية للمحاسبة. يستخدم إطار العمل هذا لقياس وتحليل ووضع وتوصيل (MACC) قيمة:
- قياس قيمة الأصول والمسؤوليات وصافي حقوق الملكية بحيث يمكن تحليلها.
- تحليل الأداء بمرور الوقت وبما يتناسب مع المؤسسات بحيث يمكن استخدامه كمُدخَل لما يتطلب تغيير لوضع قيمة.
- وضع قيمة من خلال اعتماد سياسات وعمليات من شأنها التأثير على قيمة الأصول.
- نقل قضية وضع القيمة لبناء الثقة إلى جانب الثقة في المؤسسة وجذب الاستثمارات.
لقد قدمتُ مؤخرًا دراسة حالة لكلية هارفارد للأعمال عن أزمة اليونان ("دَين اليونان: هل هي مستدامة؟"). توضح الحالة مشكلة التقييم العادل للمسؤوليات المالية. يعي جميع المحاسبين أنه وفي خلال العشر سنوات الأخيرة شهدنا ثورة في المحاسبة––من حيث الابتعاد عن التكلفة التاريخية والاقتراب من محاسبة القيمة العادلة، والتي تأخذ تقنيات المدخلات والقيمة الحالية بعين الاعتبار. لكن في حالة اليونان، نتجاهل تقنيات مدخلات السوق والقيمة الحالية.
يمكن أن تسأل نفسك الأسئلة التالية: ما مقدار ديون اليونان؟ عادة ما يشير صندوق النقد الدولي (IMF) والصحافة إلى أن نسبة الدين إلى الناتج الإجمالي المحلي تقترب من 180%. ومع الأخذ في الاعتبار أن ديون اليونان تتألف من القروض الميسرة والأوراق المالية، بدأت أتساءل كيف ارتفع هذا الدين إلى هذا الحد الكبير. الإجابة بسيطة: يستند رقم الدين المستخدم إلى قيمة اسمية. ونتيجة لذلك، فهي لا تعكس استحقاقات قروض اليونان على المدى البعيد، وسعر الفائدة المنخفض السائد في السوق الذي تقترض به اليونان، وخصم الفوائد والأرباح المتفق عليها مع البنك المركزي الأوروبي.
هل هذا مهم؟ بالطبع نعم. هذا هو الرقم الذي يستخدمه صندوق النقد الدولي لتحديد سياسات وقياسات ضمان استدامة الدين. فكلما ارتفع رقم الدين، كانت الإجراءات التقشفية أكثر حدة، وارتفعت الفوائض الأولية المفروضة كشرط، وغير ذلك. ولعل الأسوأ هي القرارات التي تُتخذ بناءً على أرقام خاطئة. ومن الأمثلة على ذلك، إنفاق 11 مليار يورو في نهاية عام 2012 لإعادة شراء دين لخفض القيمة الإسمية لتقترب من 31 مليار، أو القرار باستخدام 25% من واردات صندوق الإنقاذ الذي أُعلن عنه مؤخرًا لسداد الديون. وبدلاً من استخدام النقود في الاستثمارات التي هم في أمس الحاجة إليها، تم الضغط على اليونان من قِبل الدائنين، الأمر الذي جعلها تضخ النقود لسداد الديون لخفض قيمتها الاسمية.
الجزء الأخير في لغز اليونان هو استخدام إجمالي الدين بدلاً من صافي الدين. حيث إن صافي الدين هو الدين مطروحًا منه الأصول المالية التي تتحملها الحكومة. وصدق أو لا تصدق، كان لدى اليونان الكثير من الأصول المالية في نهاية 2013. بالفعل كان لديى اليونان أكثر من 90 مليار يورو كأصول مالية. لكن لم تكن هناك شفافية بخصوص هذه الأصول، والحوار المجتمعي بشأن إدارتها محدود جدًا. ما النتيجة؟ أهدرت اليونان أكثر من 30 مليار يورو عبارة عن أصول في العام الماضي. هل كان من الممكن أن يحدث ذلك إذا كنا ركزنا على صافي الدين؟ ربما لا، حيث تكون السياسات أكثر دقة لتأثيرها على الأصول المالية للبلد.
من وجهة النظر الإدارية، يستحيل إيقاف انهيار القيمة وبدء خلق قيمة إذا لم نبدأ من الركيزة الأولى من MACC: القياس. يجب على اليونان اعتماد محاسبة تراكمية، وعمل بيان مفصل بأصولها ومسؤولياتها، ونشر الميزانية العمومية. ليس الأمر مجرد إدارة جيدة فقط، بل يتعلق بالديمقراطية، حيث يُطلب من المواطنين التصويت على كيفية إدارة الحكومية لمستقبلهم. ويتضح ذلك جليًا، في الاستفتاء الأخير باليونان، عندما طُلب من المواطنين اليونانيين التصويت على مقاييس السياسة الاقتصادية.
لكن لا يتعلق الأمر باليونان فحسب. ففي عدة بلدان، ومنها ألمانيا، توجد ممارسات محاسبية حكومية سيئة، حيث تستخدم المحاسبة النقدية، حتى اليوم. ويحتاج ذلك إلى تغيير. يرغب دافعوا الضرائب في معرفة أن، من الناحية الاقتصادية، س% للقرض من القيمة الاسمية للدين تساوي ص% من إطالة استحقاق القرض. فمقاومة الاقتراض بالقيمة الاسمية للدين مع إطالة زمن الاستحقاق أو خفض معدلات الفائدة لا يفرضها المنطق الاقتصادي والتقييم المناسب لأصول دافعي الضرائب. بل تفرضها خلال ممارسات محاسبية سيئة من عدة حكومات أوروبية تخفي خسائر قروض اليونان عن أعين دافعي ضرائبها.